أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما
أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في
أنفسكم ألا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسو ا
على ما فاتكم ولاتفوحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور )
ومن علاجه أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو
أفضل منه وادخر له أن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف
مضاعفة وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .
ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب وليعلم أنه في كل
واد بنو سعد ولينظر يمنه فهل يرى ألا محنة ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة
؟ وانه لو فتش العالم لم ير فيهم ألا مبتلى .
ومن علاجه أن يعلم أن الجزع لا يردها بل يضاعفها وهو في الحقيقة
من تزايد المرض ومن علاجها أن يعلم أن فوات اثواب الصبر والتسليم وهو
الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من
المصيبة في الحقيقة .
أن يعلم أن الجزع يُشمت عدوه ويسوء صديقه ويُغضب ربه ويسر شيطانه ويُحبط
أجره وُيضعف نفسه وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئاً و أرضى ربه وسر
صديقه وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم قبل أن يعزوه في مصيبته .
ومن علاجها أن يعلم ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة
أضعاف ما كان يحصُل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفي من ذلك بيت
الحمد الذي يُبني له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه .
ومن علاجها أن يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله فإنه من كل شي عوض ألا الله فما منه عوض .
ومن علاجها أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين وارحم
الراحمين وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ولا ليعذبه به ولا
ليجتاحه وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه
وابتهاله وليراه طريحاً ببابه لائذاً بجنابه مكسور القلب بين يديه رافعاً
قصص الشكوى إليه .
ومن علاجها أن يعلم انه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد
من أدواء الكبر والعجب وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً فمن
رحمة أرحم الراحمين أن بتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون
حمية له من هذه الأدواء وحفظاً لصحة عبوديته واستفراغا للمواد الفاسدة
الرديئة المهلكة منه فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلى بنعمائه .
ومن علاجها أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة يقلبها الله
سبحانه كذلك و حلاوة الدنيا هي بعينها مرارة الآخرة و لأن ينتقل من مرارة
منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك .
فأن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق ( حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات )
فادع نفسك إلى ما أعد الله لأوليائه و أهل طاعته من النعيم المقيم
والسعادة الأبدية والفوز الأكبر وما أعد لأهل البطالة والإضاعة من الخزي
والعقاب والحسرات الدائمة ثم اختر أي القسمين أليق بك وكل يعمل على شاكلته
وكل أحد يصبو إلى ما يناسبه وما هو الأولى به ولا تستطل هذا العلاج وبالله
التوفيق.
من كتاب زاد المعاد
.